سورة هود - تفسير تفسير النسفي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (هود)


        


{قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ الله} قدرته وحكمته. وإنما أنكرت الملائكة تعجبها لأنها كانت في بيت الآيات ومهبط المعجزات والأمور الخارقة للعادات فكان عليها أن تتوقر ولا يزدهيها ما يزدهي سائر النساء الناشئات في غير بيت النبوة، وأن تسبح الله وتمجده مكان التعجب وإلى ذلك أشارت الملائكة حيث قالوا {رحمت الله وبركاته عليكم أهل البيت} أرادوا أن هذه وأمثالها مما يكرمكم به رب العزة ويخصكم بالإنعام به يا أهل بيت النبوة فليست بمكان عجيب، وهو كلام مستأنف علل به إنكار التعجب كأنه قيل: إياك والتعجب لأن أمثال هذه الرحمة والبركة متكاثرة من الله عليكم. وقيل: الرحمة: النبوة، والبركات الأسباط من بني إسرائيل لأن الأنبياء منهم وكلهم من ولد إبراهيم وأهل البيت نصب على النداء أو على الاختصاص {إِنَّهُ حَمِيدٌ} محمود بتعجيل النعم {مَّجِيدٌ} ظاهر الكرم بتأجيل النقم.
{فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إبراهيم الروع} الفزع وهو ما أوجس من الخيفة حين نكر أضيافه {وَجَاءتْهُ البشرى} بالولد {يجادلنا فِى قَوْمِ لُوطٍ} أي لما اطمأن قلبه بعد الخوف وملئ سروراً بسبب البشرى فرغ للمجادلة. وجواب {لما} محذوف تقديره أقبل يجادلنا، أو {يجادلنا} جواب {لما} وإنما جيء به مضارعاً لحكاية الحال، والمعنى يجادل رسلنا. ومجادلته إياهم أنهم قالوا إنا مهلكو أهل هذه القرية فقال: أرأيتم لو كان فيها خمسون مؤمناً أتهلكونها؟ قالوا: لا، قال: فأربعون؟ قالوا: لا، قال: فثلاثون؟ قالوا: لا حتى بلغ العشرة قالوا: لا قال: أرأيتم إن كان فيها رجل واحد مسلم أتهلكونها؟ قالوا: لا فعند ذلك قال: {إن فيها لوطاً قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله} العنكبوت: 32) {إِنَّ إبراهيم لَحَلِيمٌ} غير عجول على كل من أساء إليه أو كثير الاحتمال ممن آذاه، صفوح عمن عصاه {أَوَّاهٌ} كثير التأوه من خوف الله {مُّنِيبٌ} تائب راجع إلى الله، وهذه الصفات دالة على رقة القلب والرأفة والرحمة فبين أن ذلك مما حمله على المجادلة فيهم رجاء أن يرفع عنهم العذاب ويمهلوا لعلهم يحدثون التوبة كما حمله على الاستغفار لأبيه فقالت الملائكة.


{يإبراهيم أَعْرِضْ عَنْ هذا} الجدال وإن كانت الرحمة ديدنك {إِنَّهُ قَدْ جَاء أَمْرُ رَبّكَ} قضاؤه وحكمه {وَإِنَّهُمْ اتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ} لا يرد بجدال وغير ذلك عذاب مرتفع باسم الفاعل وهو {آتيهم} تقديره وإنهم يأتيهم. ثم خرجوا من عند إبراهيم متوجهين نحو قوم لوط وكان بين قرية إبراهيم وقوم لوط أربعة فراسخ.
{وَلَمَّا جَاءتْ رُسُلُنَا لُوطاً} لما أتوه ورأى هيئاتهم وجمالهم {سِئ بِهِمْ} أحزن لأنه حسب أنهم إِنس فخاف عليهم خبث قومه وأن يعجز عن مقاومتهم ومدافعتهم {وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا} تمييز أي وضاق بمكانهم صدره {وَقَالَ هذا يَوْمٌ عَصِيبٌ} شديد. روي أن الله تعالى قال لهم: لا تهلكوهم حتى يشهد عليهم لوط أربع شهادات، فلما مشى معهم منطلقاً بهم إلى منزله قال لهم: أما بلغكم أمر هذه القرية؟ قالوا: وما أمرهم؟ قال. أشهد الله إنها لشر قرية في الأرض عملاً. قال ذلك أربع مرات فدخلوا معه منزله ولم يعلم بذلك أحد فخرجت امرأته فأخبرت بهم قومها. {وَجَاءهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ} يسرعون كأنما يدفعون دفعاً {وَمِن قَبْلُ كَانُواْ يَعْمَلُونَ السيئات} ومن قبل ذلك الوقت كانوا يعملون الفواحش حتى مرنوا عليها وقل عندهم استقباحها فلذلك جاؤوا يهرعون مجاهرين لا يكفهم حياء {قَالَ يَا قَوْمٌ هؤلاءآء بَنَاتِى} فتزوجوهن أراد أن يقي أضيافه ببناته وذلك غاية الكرم، وكان تزويج المسلمات من الكفار جائزاً في ذلك الوقت كما جاز في الابتداء في هذه الأمة، فقد زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنتيه من عتبه بن أبي لهب وأبي العاص وهما كافران. وقيل كان لهم سيدان مطاعان فأراد لوط أن يزوجهما ابنتيه {هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} أحل {هؤلاء} مبتدأ {وبناتي} عطف بيان و{هن} فصل و{أطهر} خبر المبتدأ أو {بناتي} خبر و{هن أطهر} مبتدأ وخبر {فاتقوا الله} بإيثارهن عليهم {وَلاَ تُخْزُونِ} ولا تهينوني ولا تفضحوني من الخزي، أو ولا تخجلوني من الخزاية وهي الحياء، وبالياء: أبو عمرو في الوصل {فِى ضَيْفِى} في حق ضيوفي فإنه إذا خزي ضيف الرجل أو جاره فقد خزى الرجل وذلك من عراقة الكرم وأصالة المروءة {أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ} أي رجل واحد يهتدي إلى طريق الحق وفعل الجميل والكف عن السوء.


{قَالُواْ لَقَدْ عَلِمْتَ لَنَا فِى بَنَاتِكَ مِنْ حَقّ} حاجة لأن نكاح الإناث أمر خارج عن فمذهبنا إتيان الذكران {وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ} عنوا إتيان الذكور وما لهم فيه من الشهوة {قَالَ لَوْ أَنَّ لِى بِكُمْ قُوَّةً أَوْ اوِى إلى رُكْنٍ شَدِيدٍ} جواب {لو} محذوف أي لفعلت بكم ولصنعت. والمعنى لو قويت عليكم بنفسي أو أويت إلى قوي أستند إليه وأتمنع به فيحميني منكم، فشبه القوي العزيز بالركن من الجبل في شدته ومنعته. روي أنه أغلق بابه حين جاؤوا وجعل ترادّهم ما حكى الله عنه وتجادلهم. فتسوروا الجدار فلما رأت الملائكة ما لقي لوط من الكرب.

4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11